المستعرب و المدّجن و المورسكي... تاريخ الأندلس

المستعرب و المدّجن و المورسكي

قبل التعمق في دراسة الأدب المورسكي، لابد من التميز بين ثلاثة ألفاظ هامة ومختلفة. وترجع أهميتها في أن كل منهم يحدد لنا فترة العصور الإسلامية ثم النصرانية في إسبانيا.

أولاً: المستعرب

ولكي نفهم معنى ذاك اللفظ لابد أن نعلم أن ثلثا شبه الجزيرة الآيبرية (إسبانيا) تحول إلى عربية وهذه الفترة بدأت منذ فتح المسلمين لأسبانيا عام 711 والتي امتدت،طبقاً لأغلبية المؤرخين، حتى عام 1085. سادت وقتها السيادة الإسلامية على معظم شبه الجزيرة باستثناء بعض الأقاليم الضعيفة في الشمال حيث الجبال المرتفعة والمنيعة . وأصبحت الديانة الإسلامية هي الديانة الرسمية كما أن العربية هي اللغة الرسمية.
وفي ظل تلك السيادة الإسلامية المتسامحة تعايشت أقلية نصرانية محتفظةً بديانتها النصرانية ممارسةً عبادتها بكل حرية متمتعةً بكل حقوقها كالمسلمين تماماً، حيث العدل والمساواة والحرية في ظل السيادة الإسلامية ، كما مارست تلك الأقلية معتقداتها وتشريعاتها وتقاليدها بحريةٍ تامة وبما أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية فإن تلك الأقلية تحدثت بها واستخدمتها في معاملاتها وصفقاتها. ومن هنا تسلمت تلك الأقلية اسم Mozárabes وهو لفظ مشتق من العربية (مستعرب) .
ومن ذلك يتبين أن ذلك اللفظ يشير -طبقاً لقاموس مجمع اللغة الإسبانية- إلى النصارى الذين تعايشوا بين عرب أسبانيا واختلطوا بهم، كما يُشير إلى فترة تحول إسبانيا إلى الأندلس.

ثانيا: المدجن

وبمرور الوقت بدأت الأقاليم الضعيفة التي تسكن الشمال في التحصين والزحف نحو الجنوب واستولوا على أراضي كثيرة إلى أن سقط في يد النصارى أحد العواصم الإسلامية الكبرى (طليطلة) ويعتبر هذا الحدث هو بداية نهاية الأندلس. ومنذ ذلك الحين بدأ يتغير تماماً وضع اسبانيا سياسياً واجتماعيا. حيث أصبح النصارى هم الأغلبية المسيطرة بينما المسلمون هم الأقلية الخاضعة أو أصبح وضعهم معاكس تماماً لوضع المستعربين. ومن هنا تسلم المسلمون اسم (mudéjares) المشتق من اللغة العربية (مدجّن) وتعني الخاضع.

بمرور السنوات استُبدل حرف النون بحرف الراء فأصبحت (مدخّر) الصوت الذي اشتُق منه اللفظ الاسباني (mudéjar) . هذا الاسم -طبقاً لمجمع اللغة الاسبانية- انطبق على أولئك المسلمين الذين لم يبدلوا دينهم وخضعوا للقوانين النصرانية ،ويُفهم من ذلك أنهم العرب المسلمون الذين فضلوا البقاء في الأراضي الأندلسية في ظل السيطرة النصارى محتفظين بعقائدهم ولغتهم وتقاليدهم .
ويجب أن نأخذ في اعتبارنا أن لفظ مدخّر مُطبق فقط في كلٍ من قشتالة والأندلس أما مملكة أرغون كانت تُطلق على العرب اسم (التغريين) هذا الفظ مشتق من الكلمة الاسبانية (tagari) وهذه الكلمة مشتقه بدورها من العربية (ثغري) الخاصة بالثغر الأعلى أو الحد الأعلى.

إن كان المستعربون في الفترة الأولى قد استمتعوا بكل حرية دينية كما تمتعوا بتسامح مطلق كما لو كانوا جزء من المسيطرين والمتساوين في الحقوق ، فإن في الفترة الثانية أي: فترة المدجنيين كان الوضع حينها مختلف تماماً ، وخلال عدة سنوات فقط كان المسلمون يُعاملون بالتساوي كغيرهم كما تمتعوا بكل حقوقهم لكن قانونياً، ويمكن أن نقول تَعَايَش مجتمعان ألا وهما المجتمع المسلم والمجتمع النصراني، لكن مع كل ذلك فإن ضغط الظافر(ملوك النصارى) تتزايد قسوته شيئاً فشيئا ليضعوا حداً لوجود تلك الأقلية.
كما كانت هناك معارضة خفيه تنكر النصوص القانونية المتفق عليها رسمياً بين كلا المجتمعين، فلقد كانت تبحث تلك المعارضة الخفية عن فرصة لتظهر كرهها وذلك مما سيعطي الفرصة لبداية الفترة الثالثة.
ويبدوا أنه كان لازماً على السلطات الاسبانية إظهار الاحترام تجاه الأقلية المسلمة وذلك بهدف تجنب المشاكل التي يُمكن أن تظهر مع الممالك المسلمة الأخرى والتي وقّعت معها بعض المعاهدات، كما كان يجب عليها من ناحية أخرى أن تستفيد من تلك الأقلية بما لديهم من خبرة إلى أقصى حد.
وكما ذكرنا آنفاً من أن سقوط طليطلة يمكن اعتباره بداية نهاية الوجود الإسلامي في الأندلس . وبناءا على ذلك فإن الملوك النصارى زحفوا جنوباً وشرقاً مستحوذين على المدن الإسلامية ثم ضموها إلى أراضيهم، وحتى عام 1492 سقطت آخر عاصمة إسلامية – غرناطة- في أيدي الملوك الكاثوليك معلنين بذلك رسميا نهاية الوجود الإسلامي في اسبانيا. ومنذ ذلك الحين بدأت مرحلة تاريخية جديدة مختلفةٌ تماماً عن المرحلتين السابقتين.

فبعد ثماني سنوات بالضبط أعني ابتدائنا من 1500 بدأت السلطات الاسبانية في اتخاذ اجرائات اضطهادية ضد الأقلية المسلمة ولم تعير المواثيق والاتفاقيات اهتماماً وقررت إبعاد كل ما له علاقة بالدين الإسلامي. حيث يمكن أن نجد ذلك جليا في كتاب تاريخ المورسكين للمؤلف أنطونيو دومنجث أورتيث والذي يقول: "على المستوى الابتدائي لم يكن هناك أي تسامح مع أي مذهب إسلامي أما في النهاية فكانوا( أي الأقلية) متماثلين مع شكل النصارى الحقيقيين الجدد بمعنى استئصال كامل للإسلام" .

وبناءا على ما سبق ، فان من كانوا يُدعَوا مدجنيين أصبح اسمهم مورسكيين moriscos. وهي كلمة مصغرة كما أنها في الوقت ذاته احتقار لكلمت moro التي تعني مسلم. ومن وقتها اعتبرت الملكيةُ الاسبانية المورسكيين أعداء لها، ومن هنا بدأت حملات تنصير المسلمين الاسبانيين إجباريا، حيث قامت الملكية الاسبانية باستخدام اعنف الوسائل على مر التاريخ، كما ذكر ذلك بعض الاسبانيين.(ملحوظةلم اذكر استشهادات المؤرخين فهي تعتر اعادة)

أما عن الوسائل العنيفة التي قامت بها محكمة التفتيش الاسبانية (هي محكمة مكونة خصيصاً لِتُحاكم المورسكيين الذين يُقاومون الارتداد عن الإسلام والتحول إلى النصرانية) ضد المورسكيين فيمكن أن نقول الكثير مما سيؤدي إلى الإسهاب فيما هو غير ضروري في هذا الفصل. لكن يمكن أن نذكر فقط ابتداء من عام 1501، حيث بدأ إصدار بعض الوثائق على شكل ممنوعات بهدف تحديد حياة المورسكيين الطبيعية. نذكر على سبيل المثال وثيقتان في نفس السنة، أما الأولى فتمنع المورسكيين من استخدام الخلاء( الحمامات)؛بينما الوثيقة الثانية تأمر بحرق كل الكتب الدينية والتي بحوزة العديد من المورسكيين. توالت بعد ذلك العديد من الوثائق التي تتعلق بالأُضحية والعقيقة والأفراح والجنازات. كما كانت هناك وثائق أُخرى تمنع استخدام اللغة العربية وتمنع ارتداء الملابس العربية وتمنع التسمّي بأسماء عربية. ووثائق ثالثة تمنع عقد اجتماعات أو الاتصال مع المسلمين في البلاد الأخرى.